
سر التسمية من وحي المجالس السودانية ولما نفتح قصة زول بنقول “جات سيرتو” .
بالحرب، المسيد أصبح فيها وطن صغير يحتضن الخائفين ، كان الشيخ في مقدمة الصفوف، يفتح بابه وقلبه للناس، دون سؤال .
أنا إبنة المسيد نشٱت و ترعرت فيه قضيت مراهقتي وكونت شخصيتي فية كل ذلك وأنا حاملة في قلبي عبق الصوفية و سكون الروح.
لسة ( السيرة ) ماأنقطعت والموسم التاني حا يكون أعمق، أوسع، وأكثر حضور.
دافعي من البودكاست كان (اتكلم و أشارك الناس) وٱن أكون صوت الحكايات التي لم تجد فرصة لأن تحكى أو تقال .
تعلمت ان أعظم أنواع النجاة.. أن تنقذ روح غيرك قبل روحك .
فكرة البودكاست تشكلت ( داخلي من بدري) لكن بعد الحرب قررت (ما أجل اي حاجه بحبها) .
كان الشيخ دوماً يزرع فينا يقين راسخ، وثبات وٱيضا يحدثنا قائلا “السعادة ما في النجاة الفردية.. السعادة الحقيقية في إنك تكون سبب نجاة لغيرك.”
كل قصة أثرت فيّني بطريقة مختلفة، لكن بعض الحلقات هزّت وجداني من العمق.
فداء بكراوي، إعلامية لخصت نفسها في تعريف ٱنها سودانية الهوى والروح، زوجة وأم، متأصلة في التراث السوداني العريق، حاملة في قلبي عبق الصوفية وتاريخ الأجداد. بدأت رحلتي في صناعة المحتوى، لأروي الحكايات التي تتنفس بين الألم والأمل.
في كل كلمة أكتبها، وفي كل قصة أرويها، أبحث عن ضوء في زوايا الظلام، وأؤمن بأن الكلمات هي الجسر الذي يربط بين القلوب، والنافذة التي نرى من خلالها الحقيقة. وعلى الرغم من أنني ما زلت في بداية هذا الطريق الإعلامي، إلا أنني أطمح للاستمرار فيه، ومواصلة السعي لنقل أصواتنا السودانية للعالم
بكراوي وجد البودكاست الذي ٱطلقت عليه ( جات السيرة ) ٱصداء كبيرة ٱحتفت المنصات بإلهام وٱصداء ماتناولته من طرح حواري رغم الظروف التي خرجت منها للتجاوز صدمة ووجع الحرب بعد مكوثها لٱكثر من عام ونصف بمسيد الشيخ الٱمين رغما من ذلك ٱبهرت وٱدهشت المتابعين لها رغما عن كل الٱوجاع
الخرطوم ديلي جلست معها في حوار شامل ومكتمل القضايا والزوايا تتابعونه عبر مضابط هذا اللقاء .
حوار ..علي ابوعركي
من المؤكد أن لبودكاست “جات السيرة” قصة.. ما هي؟
“جات السيرة” ما كانت مجرد اسم لبرنامج.. كانت لحظة صدق، لحظة فيها الوجع والنجاة والحكاية كلهم اتلاقوا. جات من إحساسي العميق إنو نحنا محتاجين نفضفض، نشارك تجاربنا، نلقي الضوء على السيرة دي، لأنها بتشبهنا.. بتشبه شعبنا، نساءً ورجالاً، وتاريخنا القريب والبعيد.
من أي وحي جاءت تسمية “جات السيرة” وهل عانيتي إحساس رهبة؟
دايمًا في المجالس السودانية لما نفتح سيرة زول بنقول “جات سيرتو”. او جات سيرة كذا وأنا حسيت إنو آن الأوان نفتح السيرة سيرة كل شيء بنعيشه وعايشينه.
الرهبة؟ طبعًا، لأنك بتختار تفتح جرح أحيانًا، أو تلامس قصة حساسة، لكن كان في إيمان أكبر إنو الكلام دا بيشفي، وبيوحد.
صادف وإن مكثتي لأكثر من عام ونصف بمسيد الشيخ الأمين إبان الحرب، بماذا تقصين حكايتها؟
أنا جزء من رحاب المسيد منذ عشرات السنين فترعرت فيه منذ سن المراهقه فتكونت شخصيتي حاملة في قلبي عبق الصوفية و سكون الروح والمسيد كان بيتي وملاذي الدائم، ليس فقط أثناء الحرب أو خلال عام ونصف، بل كان روحي ومقر إقامتي طوال الوقت، حيث تجدني في حضرته دوماً
وبيتي داخل رحابه. والشيخ الأمين عمر الأمين مابس شيخ الطريقة، هو أبي الروحي، وملاذ الروح قبل الجسد.
أما عن العام ونصف القضيتهم داخل المسيد في عز الحرب، المسيد أصبح فيها وطن صغير يحتضن الخائفين ، وكان الشيخ في مقدمة الصفوف، يفتح بابه وقلبه للناس، من غير ما يسأل عن قبيلة أو جهة أو انتماء. وفر المأوى والطعام والعلاج.. واحتضن المئات من النساء والأطفال وكبار السن، وكان بنفسه يطوف على الناس، يطمن، يواسي، يدعو، ويذكرهم إنو في كل شدة، في فرج قريب.
أعماله الخيرية والإنسانية والخدمية خلال الحرب كانت تتجاوز حدود المسيد، وصلت حتى الأحياء المنكوبة، وكانت بركة المسيد ممدودة للكل، بالزاد وبالذكر وبالأمان.
في تلك الأيام شوفتا كيف ممكن زول واحد، بإيمانه ومحبة الناس، يكون سبب ستر لآلاف.
أيام الحرب، شفت بعيني حاجات ما بتتوصف بالكلام.، في وقت كان صوت الرصاص والدانات بيشق السما. شفت كيف المسيد اتحول لواحة أمان.. بيت كبير للناس الكسرهم الخراب، وللأمهات الهاربين بأطفالهم، وللمرضى والمسنين.
بالنسبة لينا، الشيخ ما كان بيدير مسيد، كان بيدير منظومة إنسانية كاملة.. يطبطب على أرواح مكسورة، ويوزع أمل، في وقت كان الأمل نادر ويكاد يكون معدوم
ووجودي هناك خلال الحرب، خلاني أفهم معنى “الستر الحقيقي”، ستر الروح قبل البدن، والكرامة قبل الكساء.
ابونا الشيخ كان مصدر سكينة في وقت كانت الدنيا كلها ضجيج وخوف.
و المسيد ما كان مجرد مكان، كان طاقة نور..
وجودي في المسيد خلال تلك الفترة خلاني أطلع بصورة جديدة عن الحياة، وعن معنى الإنسانية، وعن كيف ممكن شخص واحد، ينشر الرحمة في زمن القسوة، ويعيد تعريف القيادة الروحية الحقيقية.
وكل ما أتذكّر الأيام دي، بتتملي عيوني دموع وقلبي امتنان .. للشيخ الأمين عمر الأمين، الأب والمعلم، الراعي اللي ما خذل رعيته ولو ما كان هو، ولو ما كانت الرحمة الساكنة جوة الحيطان دي، ما كنا قدرنا نصمد.
لكل قصة ملخص.. بماذا خرجتي؟
خرجت بإيمان أقوى من أي وقت مضى.. إنو المحنة ممكن تكون المنحة، وإنو الناس بخير، وإنو في عز الألم في نور، بس محتاجين نفتح القلب والعين عشان نشوفو.
هل انتابك في لحظة شعور النهاية؟ وإن وجد، كنتِ ماذا تقولين بينك وبين نفسك؟
في ظروف زي دي، أي زول ممكن يحس إنو النهاية قربت، لكن الحقيقة؟ الإحساس دا ما كان ساكن جوانا، لأنو ببساطة.. الشيخ دوماً كان يزرع فينا يقين راسخ، وثبّت جوانا معنى التوكل الحقيقي.
كان بيقول لينا دايمًا: “السعادة ما في النجاة الفردية.. السعادة الحقيقية في إنك تكون سبب نجاة لغيرك.”
ومن اللحظة دي، بقينا نعيش بروح مختلفة.. ما كنا منتظرين الفرج لينا بس، كنا بنسعى نكون إحنا الفرج لغيرنا.
كنا نِتعلّم كل يوم إنو القوة ما في الخوف، بل في الصبر، والعطاء، وفي لمسة حنان لزول مكسور. وده الإحساس الخلانا نتماسك، ونشوف في كل محنة فرصة، وفي كل يوم جديد، حياة تستحق نعيشها ونخلي فيها أثر.
ومن يومها، بقيت أشوف الحياة بمنظور تاني.. بقيت أفتّش عن المعنى في العطاء، وعن القيمة في كل لحظة بنمد فيها إيدنا لزول تاني.
في تلك اللحظات العصيبة، ماذا كنتِ تقررين إن أكرمك الله بالنجاة؟
في تلك الفترة اتعلمت انه إنو أعظم النجاة.. هي لما تنقذ روح غيرك قبل روحك
وعشان كدا لما عملتا جات السيرة كانت امتداد لطوق النجاة دا كنتا عايزه اي زول بسمع قصة في جات السيرة ينجو من الإحباط وينجو من فقد العزيمة والإرادة وينجو من الفشل وينجو من الحزن وكنت أعلم انه اذا نجوا هم نجوت انا بهذا الإحساس . فقررتا اتكلم و أشارك الناس، أكون صوت للحكايات اللي ما لقت فرصة تتقال. قررت أكون أداة توصيل، وأبني جسر بين الناس والحقيقة، بين الألم والأمل.
ما دوركم في المسيد؟
المسيد ما كان مجرد مكان نعيش فيه.. كان وجهة للخائفين، ونقطة نور وسط ظلام الحرب الطويل. خلال سنتين من الألم، كان المسيد مفتوح 24 ساعة في اليوم، للكل. ما في باب اتقفل في وش حد، وما في يد اتردّت. وده كله بقيادة الشيخ الأمين عمر الأمين، الإنسان قبل أن يكون شيخ، واللي حمل همّ الناس على كتفه بصبر وعزيمة ما بتتوصف.
العمل كان متواصل بلا توقف.. أكل ، شراب ، ايواء ، علاج، دفن موتى، وتهدئة نفوس مرعوبة. وده ما كان بيحصل من تلقاء نفسه، كان وراءه جيش من المحبين والمتطوعين، كلهم من حيران الشيخ، شباب وبنات، رجال ونساء منهم أطباء، صيادلة، والعاملين علي الطعام ، الشغالين في السقيا وخدمة الموية
الناس دي كانت بتشتغل في صمت.. بتخدم، وتدعو، وتضمّد جراح الناس الجُوة، والجراح الجوة قلوبهم هم كمان. وكان لي شرف إني أكون جزء من المنظومة دي.. نشتغل سوا، نواسي، نرتب، نذكر الله، ونوزع طاقة أمان على قدر ما نقدر.
ومن هنا، أحب أوجه رسالة فخر وامتنان لكل الأخوان والأخوات ، إنتو نورتوا المسيد بقلوبكم، وكنتوا الكتف الحقيقي للناس في عز الوجع. وأرفع يدي بدعاء من القلب للرحمة والمغفرة لإخواننا اللي استُشهدوا في الحرب اللعينة، وما لقوا غير حبنا ودعواتنا الصادقة.
إنتو، بجد، الفخر الحقيقي.. وين ما مشيت، أنا بفتخر إني كنت بينكم.
والتجربة دي ما كانت بس محطة في حياتي.. كانت مدرسة. علمتني إنو الإعلام الحقيقي ما بس حكي وكاميرا، الإعلام رسالة، ومسؤولية، وصوت للمساكين والطيبين والمكسورين. وكل خطوة بمشيها اليوم، وكل كلمة بقولها، هي امتداد لروح العطاء اللي اتربينا عليها في حضرة الشيخ، وفي قلب المسيد.
بعد الخروج مباشرة بدأتِ في تجهيز وتقديم “جات السيرة”، كيف تجاوزتِ الصدمة بهذه السرعة؟
ما تجاوزتها.. لكن حولتها. الألم اتحول لدافع، والدمعة اتحولت لفكرة. كنت محتاجة أتكلم.. مش بس لنفسي، لكن لكل زول عاش أو لسه عايش نفس الظروف. جات السيرة كانت طريقة من طرق التعافي.
فكرة البودكاست، هل هي وليدة لحظة أم أنك خططتِ لها من مدة؟
كانت تتشكل داخلي من بدري، لكن بعد الحرب قررت ما أاجل اي حاجه بحبها وانه لازم احول شغفي بالإعلام لحقيقة ، عرفت إنو الوقت جاء، وما في داعي للتأجيل.
. ما الرسالة التي وددتِ إرسالها عبر البودكاست؟
إنو نحنا حكاياتنا مهمة.. وإنو في كل قصة، في دروس، في بصيرة، في قوة. الرسالة كانت: “نحن نُسمَع.. ونَسمع، ونُشفى بالكلام” وفي جات السيرة حكايتك لازم تتسمع .
. هل واجهتك معوقات سواء في التنفيذ أو التمويل؟
طبعًا، التحديات ما بتنتهي، خصوصاً في البدايات
من التمويل للإنتاج للتوزيع والإعداد والمتابعه
لكن الإيمان بالفكرة كان أقوى. والحمدلله ربنا أنعم علي بناس حواليني آمنوا بيها معاي، وساعدوني نكمل الرحلة. و نخرج جات السيرة بالشكل الشوفتوه .
. أي تأثير أحدثته أصداء قصص الضيوف عليكِ؟ وما أبرز الحلقات التي شعرتِ تجاهها بالانتماء الكامل؟
كل قصة أثرت فيّ بطريقة مختلفة، لكن بعض الحلقات هزّت وجداني من العمق ومن كل ضيف تعلمت قيمة و حكمة .
. هل الفكرة سودانية فقط أم تحتمل ضيوفًا من جنسيات أخرى؟
هي سودانية النكهة والروح، لكنها إنسانية في الجوهر.. والمستقبل إن شاء الله يحمل ضيوف من كل مكان، لأن السيرة سيرة إنسان في النهاية.
هل توقف المشروع على الموسم الأول أم لـ”السيرة” بقية؟
بإذن الله، السيرة مستمرة.. لأن القصص ما انتهت، ولسه في أصوات محتاجة تُسمَع والناس محتاجة تسمعهم
الموسم التاني ح يكون أعمق، أوسع، وأكثر حضور.